تحميل رواية سجين البرزخ pdf محمد صاوى
بدأ الأمر عند وجودي فجأة دونَ سابق إنذارٍ أمام ذاكَ الباب، وكأن حياتي بدأت هناك، كأنني أبصرتُ النّورَ في بطنِ ذلك المكان، لا أتذكر شيئاً، ولا أعلم شيئاً، لا أعلم عنْ ما أنا فيه، ولا أعلمُ عن ما أنا بذاتي، كُنتُ غريباً عن نفسي، لَم أدرِ ما ذاكَ الحجابُ بيني وبينَ نفسي كَي لا أعلم دواخلها وذكرياتها، الأغربُ أنني لَم أندهش ممّا كان يحصل، كنت منتشياً بفقدان ذاكرتي، فقدانُ الذاكرةِ أحياناً يُزيل عن القلبِ هُموم الدنيا ومرارة الدهر، كُنتُ أتحركُ دونَ وعيٍ منّي، دونَ تحكمٍ في جسدي،
وكأن هناك غرفةَ تحكمٍ أخرى داخل جسدي تحجبُ عَنه أوامري، لَم يمضِ كثيرٌ من الوقت حتى اعتدتُ على أنا الجديد.. توقفتُ لحظة مندهشاً ساهماً، أطلقتُ أول سؤالٍ بادرَ في ذهني حينَ أبصرتُ الغرفة هُناك، كُنت أحاول بشدّة أن أخفيه، أن أقاومه حتى لا يُردي أملي في النجاة صريعاً، أين أنا؟!، ثم تبعته بعدة أسئلة أخرى.. ما هذا البابُ الضّخم المسلّح تسليحاً أشبه بتسليحِ أبوابِ القصور الفارهة والقِلاع الشامخة!.. أيعقل أن أكونَ قد مِتّ مُسبقاً هل أنا في البرزخ؟!، أيعقل أن تكونَ نهايةَ الشقاء في دُنياي؟!، أيعقل حقاً أنني بعد الموتَ أنتهي لهذا العالم الذي لا دلالةَ فيه ولا بيان.. كيف إذن؟! أين جنة الخُلد، وأين نارُ الجحيم،
أيمكن أن تعلق روحي فجأة بين البداية والنهاية؟!،هل ضلّت روحي الطريق.. يا إلهي ماذا حدث لي؟! دلفت إلى الباب الراسخِ أمامي، وأنا أتحسس بيدي الهواءَ خوفاً مِن لا شيء، خوفاً مِن مفاجآةٍ لا أعلمُها, كانَ الخوفُ يشقّ طريقه في جليدِ قلبي مُحطّماً إياه، نظرتُ إلى الأمام متحفّزاً -أو متظاهراً بذلك- كما جنديّ يُقاتل في معركة هُو يعلمُ أنّه خاسرها، تنبّهتُ قليلاً لأجد عدداً غير متناهٍ من الخيوط.. خيوط متشابكة في بعضها البعض، يشق وسطهم جسرٌ طويلٌ لا نهاية له ظاهرة، بدأت أتحرك إلى الأمام على الجسرِ بأطرافٍ مُرتعشة، وقلبٍ وجل،
وجفونٍ ترتدّ بجنون، تعثّرتُ قليلاً ولامستُ أحد الخيوط.. شعرتُ بروحي تطيرُ من مخدعٍ إلى آخر، كانت كأنها مقيّدة بحبلٍ متينٍ يشدُّها شداً، كأنه ملكُ الموتِ يتنزعها مِن جسدي إلى الرفيق الأعلى.. غير معقول.. هذا جنون.. كيف أتيت الى هنا؟!, مَن هذا الشخصُ البدائيّ الماثلُ أمامي هُناك؟! سَمعتُ فجأةً صوتاً هادراً مِن شخصٍ آخر.. – والآن فلتبدأ المبارزة.
قريبا