تحميل كتاب طرديات … نصوص في الصيد pdf ألكساندر دوما
كثيراً ما عشت مع حرّاس الغابات، وكثيراً ما عايشت البحّارة، فلاحظت دائماً وجود تجانس كبير بين هذين النّوعين من البشر. هؤلاء وأولئك، بعامّة، هادئون وحالمون ومتديّنون. غالباً ما يبقى البحّار أو حارس الغابة جنباً إلى جنب مع صديقه الأثير، فيُبحر أحدهما أربعين عقدة بحرية أو أكثر في المحيط، ويقطع الآخر ثمانية فراسخَ ويزيد في الغابة، دون أن يتبادلا أدنى كلمة، ودون أن يبدوَ عليهما أنّهما سمِعا أيّ شيء، ومن غير أن يظهر عليهما أنّهما رأيا شيئاً. ومع ذلك، لا تمرّ جلبة واحدة في الفضاء دون أن تلتقطها الأذن، ولا تهزّ حركةٌ واحدةٌ لُجينَ الماء أو أوراق الشّجر دون أن يكون للنّظر لها تقدير… ثمّ، عندما يتبادلون الحديث في مُخيّم غابيّ أو قرب النّار المتأجّجة بالجمر والشّرر، كمْ ينطلق في الحكي، لمّدة طويلة وبطريقة آسرة، هؤلاء الأشخاص الهادئون والحالمون والصّامتون؛ الحرّاسُ يتحدّثون عن حملات قنصهم، والبحّارة عن رحلات صيدهم! كم تجعل أشعار الغابات العظمى هذه، وأشعار عَرض المحيطات تلك، والتي اندلقت عليهم من قمم الأشجار أو من أعلى الأمواج، كم تجعل لغتَهم ساذجة ومكتنزة بالصّوَر في الأوان ذاته! كم هو بسيطٌ كلامهم وعظيم! كم نُحسّ أنّه هناك يُقيم من انتخبته الطّبيعة والصّمت، والذي يبدو وكأنّه نسيَ لغة النّاس، كي ينطق بلغة الرّيح والأشجار والسّيول والعواصف والبحر!